وسائل الثبات على دين الله
-----------------------------------
إن الحمد لله ، نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .
أما بعد :
فإن الثبات على دين الله مطلب أساسي لكل مسلم صادق يريد سلوك الصراط المستقيم بعزيمة ورشد .
وتكمن أهمية الموضوع في أمور منها :
- وضع المجتمعات الحالية التي يعيش فيها المسلمون ، وأنواع الفتن والمغريات التي بنارها يكتوون ، وأصناف الشهوات والشبهات التي بسببها أضحى الدين غريباً ، فنال المتمسكون به مثلاً عجيباً ( القابض على دينه كالقابض على الجمر ) .
ولا شك عند كل ذي لب أن حاجة المسلم اليوم لوسائل الثبات أعظم من حاجة أخيه أيام السلف ، والجهد المطلوب لتحقيقه أكبر ؛ لفساد الزمان ، وندرة الأخوان ، وضعف المعين ، وقلة الناصر .
- كثرت حوادث الردة والنكوص على الأعقاب ، والانتكاسات حتى بين بعض العاملين للإسلام مما يحمل المسلم على الخوف من أمثال تلك المصائر ، ويتلمس وسائل الثبات للوصول إلى برٍ آمن .
- ارتباط الموضوع بالقلب ؛ الذي يقول النبي e في شأنه : ( لقلب ابن آدم أشد انقلاباً من القدر إذا اجتمعت غلياً ) رواه أحمد 6/4 والحاكم 2/289 وهو في السلسلة الصحيحة 1772 . ويضرب عليه الصلاة والسلام للقلب مثلاً آخر فيقول : ( إنما سمي القلب من تقلبه ، إنما مثل القلب كمثل ريشة في أصل شجرة يقلبها الريح طهراً لبطن ) رواه أحمد 4/408 وهو في صحيح الجامع 2361 . فسبق الحديث قول الشاعر :
وما سمي الإنسان إلا لنسيانه
ولا القلب إلا أنه يتقلب
فتثبيت هذا المتقلب برياح الشهوات والشبهات أمر خطير يحتاج لوسائل جبارة تكافئ ضخامة المهمة وصعوبتها .
وسائل الثبات
ومن رحمة الله عز وجل بنا أن بين لنا في كتابه وعلى لسان نبيه وفي سيرته e وسائل كثيرة للثبات . أستعرض معك أيها القارئ الكريم بعضاً منها :
أولاً : الإقبال على القرآن :
القرآن العظيم وسيلة الثبات الأولى ، وهو حبل الله المتين ، والنور المبين ، من تمسك به عصمه الله ، ومن اتبعه أنجاه الله ، ومن دعا إليه هُدي إلى صراط مستقيم .
نص الله على أن الغاية التي من أجلها أنزل هذا الكتاب منجماً مفصلاً هي التثبيت ، فقال تعالى في معرض الرد على شُبه الكفار : ( وقال الذين كفروا لولا نزّل عليه القرآن جملة واحدة ، كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلاً ، ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيراً ) الفرقان /32 .
لماذا كان القرآن مصدراً للتثبيت ؟؟
- لأنه يزرع الإيمان ويزكي النفس بالصلة بالله .
- لأن تلك الآيات تتنزل برداً وسلاماً على قلب المؤمن فلا تعصف به رياح الفتنة ، ويطمئن قلبه بذكر الله .
- لأنه يزود المسلم بالتصورات والقيم الصحيحة التي يستطيع من خلالها أن يُقوِّم الأوضاع من حوله ، وكذا الموازين التي تهيئ له الحكم على الأمور فلا يضطرب حكمه ، ولا تتناقض أقوله باختلاف الأحداث والأشخاص .
- أنه يرد على الشبهات التي يثيرها أعداء الإسلام من الكفار والمنافقين كالأمثلة الحية التي عاشها الصدر الأول ، وهذه نماذج :
1- ما هو أثر قول الله عز وجل : ( ما ودعك ربك وما قلى ) الضحى /3 على نفس رسول الله e ، لما قال المشركون : ( ودع محمد … ) أنظر صحيح مسلم بشرح النووي 12/156 .
2- وما هو أثر قول الله عز وجل : ( لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين ) النحل /103 لما ادعى كفار قريش أن محمداً e إنما يعلمه بشر وأنه يأخذ القرآن عن نجار رومي بمكة ؟
3- وما هو أثر قول الله عز وجل : ( ألا في الفتنة سقطوا ) التوبة /49 في نفوس المؤمنين لما قال المنافق : " ائذن لي ولا تفتني " ؟
أليس تثبيتاً على تثبيت ، وربطاً على القلوب المؤمنة ، ورداً على الشبهات ، وإسكاتاً لأهل الباطل .. ؟ بلى وربي .
ومن العجب أن الله يعد المؤمنين في رجوعهم من الحديبية بغنائم كثيرة يأخذونها ( وهي غنائم خيبر ) وأنه سيعجلها لهم وأنهم سينطلقون إليها دون غيرهم وأن المنافقين سيطلبون مرافقتهم وأن المسلمين سيقولون لن تتبعونا وأنهم سيصرون يريدون أن يبدلوا كلام الله وأنهم سيقولون للمؤمنين بل تحسدوننا وأن الله أجابهم بقوله: ( بل كانوا لا يفقهون حديثاً ) ثم يحدث هذا كله أمام المؤمنين مرحلة بمرحلة وخطوة بخطوة وكلمة بكلمة .
- ومن هنا نستطيع أن ندرك الفرق بين الذين ربطوا حياتهم بالقرآن وأقبلوا عليه تلاوة وحفظاً وتفسيراً وتدبراً ، ومنه ينطلقون ، وإليه يفيئون ، وبين من جعلوا كلام البشر جل همهم وشغلهم الشاغل .
- ويا ليت الذين يطلبون العلم يجعلون للقرآن وتفسيره نصيباً كبيراً من طلبهم .
ثانياً : التزام شرع الله والعمل الصالح :
قال الله تعالى : ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء ) إبراهيم /27 .
---------------------------------------------