- الإخلاص.
2- الدعاء، فإن الإنسان متى أنزل حاجته بالله سبحانه وتعالى استجاب له وفتح عليه، قال الله تعالى: "وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ". قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: شرب زمزم مرة وسألت الله وأنا حينئذ في بداية طلب الحديث أن يرزقني حالة الذهبي في حفظ الحديث، ثم حججت بعد مدة تقرب من عشرين سنة، وأنا أجد من نفسي المزيد على تلك المرتبة، فسألته أعلى منها، فأرجو الله أن أنال ذلك(14).
3- ترك المعاصي فإن من أهم الأسباب المعينة على الحفظ اجتناب المعاصي وعمل الإنسان بما علم؛ والآثار عن السلف في ذلك كثيرة، منها قول ابن مسعود –رضي الله عنه-: (إني لأحسب الرجل ينسى العلم كان يعمله بالخطيئة يعملها) (15)، وللشافعي رحمه الله:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي *** فأرشدني إلى ترك المعاصي وقال بأن حفظ الشيء فضل *** وفضل الله لا يهدى لعاصي(16) وقال الضحاك بن مزاحم: ما من أحد تعلم القرآن فنسيه إلا بذنب يحدثه؛ لأن الله تعالى يقول: "وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ"(17)، وقال الشعبي رحمه الله: (كنا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به) (18)، وقال الثوري: (يهتف العلم بالعمل فإن أجابه وإلا ارتحل) (19).
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: (ومن الطرق التي تعين على حفظ العلم وضبطه أن يهتدي الإنسان بعلمه، قال الله تعالى: "وَالَّذِينَ اهْتَدَوا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ"، وقال: "وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدىً" فكلما عمل الإنسان بعلمه زاده الله حفظاً وفهماً لعموم قوله: "زَاَدَهُمْ هُدىً").
4- اختيار الوقت المناسب: فقد قال الخطيب البغدادي رحمه الله: (اعلم أن للحفظ ساعات ينبغي لمن أراد الحفظ أن يراعيها، فأجود الأوقات الأسحار، ثم بعدها وقت انتصاف النهار، وبعدها الغدوات دون العشيات، وحفظ الليل أصلح من حفظ النهار، قال: وإنما اختاروا المطالعة بالليل لخلو القلب، فإن خلوه يسرع إليه الحفظ، ولهذا قال حماد بن زيد لما قيل له: ما أعون الأشياء على الحفظ؟ قال: قلة الغم. وليس يكون قلة الغم إلا مع خلو السر وفراغ القلب، والليل أقرب الأوقات من ذلك) (20).
5- الحفظ في الصغر: قال قتادة رحمه الله: (الحفظ في الصغر كالنقش في الحجر). وقال معمر: (سمعت من قتادة وأنا ابن أربع عشرة سنة، فما شيء سمعت من تلك السنين إلا وكأنه مكتوب في صدري) (21).
6- الاهتمام: فإن من أعون الأشياء للطالب على الحفظ أن يجعل ما يريد أن يحفظه حل همه وحديث نفسه، قال الإمام البخاري رحمه الله: (لا أعلم شيئاً أنفع للحفظ من نهمة الرجل ومداومة النظر) ثم قال: (وذلك أني كنت بنيسابور مقيماً فكان ترد إلي من بخارى كتب، وكن قرابات لي يقرئن سلامهن في الكتب فكنت أكتب كتاباً إلى بخارى وأردت أن أقرئهن سلامي فذهبت علي أساميهن، حين كتبت كتابي، ولم أقرئهن سلامي، وما أقل ما يذهب عني من العلم) (22). والبخاري هو القائل: (تذكرت يوماً أصحاب أنس فحضرني في ساعة ثلاثمائة نفس) (23)، ولما قيل له: أنت الذي تقول إني أحفظ سبعين ألف حديث؟ قال: نعم، وأكثر، ولا أجيئك بحديثك من الصحابة والتابعين إلا عرفتك بمولد أكثرهم ووفاتهم ومساكنهم(24).
7- الصبر في البداية: على ما يصيب الطالب من صعوبة الحفظ والسآمة والملل، فإنه ما يلبث أن يزول ذلك عنه ويتعود الحفظ، ويسهل عليه، يقول محمد بن شهاب الزهري رحمه الله: (إن الرجل ليطلب وقلبه شعب من الشعاب، ثم لا يلبث أن يصير وادياً لا يوضع فيه شيء إلا التهمة) (25). وقال العسكري رحمه الله: (مصداق ذلك ما أخبرنا الشيخ أبو أحمد الصولي عن الحارث بن أسامة قال: كان العلماء يقولون: كل وعاء أفرغت فيه شيئاً فإنه يضيق إلا القلب، فإنه كلما أفرغ فيه اتسع، قال: وكان الحفظ يتعذر علي حين ابتدأت، ثم عودته نفسي إلى أن حفظت قصيدة قريبة من مائتي بيت في ليلة) (26).
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين