عدد الرسائل : 739 العمر : 31 الموقع : الجزائر نقاط : 556 تاريخ التسجيل : 04/09/2008
موضوع: الصحابية الجليلة أسماء بنت عميس الخميس أغسطس 06, 2009 3:14 am
[center]
---------------------------------------
صحابية صابرة تُعد مثالا يُحتذى لكل فتاة وامرأة في عصرنا، وقدوة حسنة لكل أم تعطي دروساً في تنشئة الطفل الصالح، ومدرسة لكل زوجة تقدم فصولاً في الإخلاص والوفاء للزوج.
إنها أسماء بنت عميس، صحابية جليلة وعالمة صابرة، صاحبة بصيرة في تأويل الرؤيا، وهي أخت ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، وأخت لبابة أمّ الفضل زوجة العباس رضي الله عنهما.
تزوجت أسماء بنت عميس من جعفر بن أبي طالب ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، الملقّب بالشهيد الطيّار رضي الله عنه، وكان شديد الشبه برسول الله، وأسلمت معه في وقت مبكر.
سُميتْ بصاحبة الهجرتين، لأنها هاجرت بصحبة زوجها مع عدد من المسلمين المهاجرين، وكانت هذه الهجرة بعد زواجها بفترة قصيرة.
كانت الهجرة الأولى إلى الحبشة، وكانت أسماء وزوجها في مقدمة المهاجرين، وأقاما في منزل متواضع صغير، وكان لها دور هي وزوجها في نشر الرسالة والدعوة الإسلامية، وعاشت أسماء وزوجها رضي الله عنهما في ديار الغربة قرابة خمسة عشر عاماً.
أما الهجرة الثانية فهي إلى المدينة المنورة، فقد عادت أسماء وجعفر وأولادهما الثلاثة من الحبشة إلى المدينة المنورة، وفرح الرسول صلى الله عليه وسلم بعودتهما، وكان ذلك أثناء فتح خيبر، فقال عليه الصلاة والسلام: “لا أدري بأيّهما أفرح؟ بفتح خيبر؟ أو بقدوم جعفر؟”
العودة من الحبشة
وعندما عادت أسماء من الحبشة قال لها عمر بن الخطاب رضي الله عنه - فاكها مازحا- يا حبشية سبقناكم بالهجرة! فقالت: أي لعَمري لقد صدقت، كنتم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يطعم جائعكم ويعلم جاهلكم، وكنا في أرض البعداء والطرداء، أما والله لأذكرن ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتته فقال لها: “للناس هجرة واحدة ولكم هجرتان”.
وكان المؤمنون المهاجرون يأتونها جماعات يسألونها عن المكرمة النبوية وهم في غبطة وسرور، وكان أبو موسى الأشعري رضي الله عنه يستعيد منها حديث النبي صلى الله عليه وسلم : “ولكم الهجرة مرتين، هاجرتم إلى النجاشي، وهاجرتم ليّ”.
مضت أسماء إلى بيت النبوة، تزور زوجات النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، وبناته رضي الله عنهنّ، ومضى زوجها جعفر مع الرسول عليه الصلاة والسلام يشهد معه كل المشاهد، حتى جاء يوم استشهاد جعفر في موقعة مؤتة، وبلغ الرسول عليه الصلاة والسلام خبر استشهاده، فحزن عليه حزناً شديداً، ولما نعى رسول الله صلى الله عليه وسلم جعفراً إلى زوجه أسماء بنت عميس قامت وصاحت وجمعت الناس، فدخلت عليها فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي وتقول: “واعماه”، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “على مثل جعفر فلتبك البواكي”
رأى الرسول عليه الصلاة والسلام أسماء والحزن البالغ وثورة البكاء العارمة تكاد تقضي عليها، فتقدّم إليها يطمئنها قائلاً: “يا أسماء إني أرى جعفر بن أبي طالب قد مرّ مع جبريل وميكائيل” ثم قال صلوات الله عليه: “فعوضّه الله عن يديه جناحين يطير بهما حيث شاء”.
هدية من الله
وتمر الأيام والشهور وأسماء صابرة، مخلصة لذكرى زوجها، كيف لا وهو الزوج والحبيب والرفيق؟ فظلت منكبة على تربية أولادها، تعلمهم وتغرس فيهم مبادئ التقوى، داعية إلى الله ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً، حتى تقدّم لها أبو بكر الصديق بعد وفاة زوجته أم رومان طالباً الزواج منها، فكان ذلك هدية من الله لأسماء الطاهرة العفيفة عن صبرها، فقبلت الزواج منه، وكانت نعم الزوجة المخلصة، وكان هو مثالاً للزوج الصالح الذي تستمد منه نور الإيمان، وبقيت عنده إلى أيام خلافته، وأنجبت له ابنه محمداً، وعندما أحس أبو بكر الصديق بدنو أجله، أوصى أسماء بتغسيله، وأن تفطر إن كانت صائمة في ذلك اليوم.
ونفذت أسماء وصية زوجها الحبيب بتغسيله ولكنها من شدة حزنها نسيت الوصية الثانية - فقد كانت صائمة- وعندما غابت الشمس وحان موعد إفطارها، تذكرت وصية زوجها، وأخذت تسأل هل تنفذ الوصية أم لا؟ ولكنّ وفاءها لزوجها أبى عليها أن ترد وصيته، فدعت بماء وشربت قبل أذان المغرب.
أخذت أسماء على عاتقها تربية أبنائها من جعفر وابنها محمد من أبي بكر، وبعد فترة جاء علي بن أبي طالب ليتقدم إليها، وهو رفيق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصهره لابنته الراحلة فاطمة الزهراء، وشقيق جعفر الطيار زوجها السابق.
تزوج علي بن أبي طالب رضي الله عنه أسماء بنت عميس، وعاشت معه، فكانت له صورة للمرأة والزوجة المؤمنة، وأنجبت له يحيى وعوناً، فكانت نعم الزوجة والأم، وكان علي معجباً بها وبذكائها ورجاحة عقلها.
في يوم من الأيام اختلف ولداها محمد بن جعفر، ومحمد بن أبي بكر فيما بينهما، وكل منهما يتفاخر بأبيه، فكان كل واحد يقول للآخر: “أنا أكرم منك، وأبي خير من أبيك”، وحار علي كيف يصلح بينهما، فقصّ على أسماء ما يحدث من تخاصم وتشاجر بين الأخوين، وطلب منها أن تصلح بينهما، وكان هذا اختباراً لذكائها، فلما وقفت أسماء بين ولديها، قالت بكل ثقة: ما رأيت شاباً خيراً من جعفر، ولا كهلاً خيراً من أبي بكر! فسكت الولدان، وتصالحا، عندها تقدّم علي مداعباً وقال: “فماذا أبقيتِ لنا؟”
وتمر الأيام والأحداث، وجاء اليوم الذي فُجعت فيه بمقتل زوجها الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فهدّها الحزن ولم تعد قادرة على احتمال المصائب والأوجاع، وأصابها المرض، وهي بعد تشعر بألم الفراق على أزواجها الصحابة الطاهرين، وولدها محمد بن أبي بكر، ففاضت روحها إلى السماوات راضية مرضية في سنة أربعين للهجرة، رضي الله عنها بما صبرت.